Posts filed under ‘1- متين الخلق’

الجزء الثانى : تفسير سورة المطففين :هذا الذى كنتم به تكذبون

الدرس الثاني:7 – 14 عذاب الكفار في النار وبعض جرائمهم في الدنيا

وقد سماهم المطففين في المقطع الأول . فأما في المقطع الثاني فيسميهم الفجار . إذ يدخلهم في زمرة الفجار , ويتحدث عن هؤلاء . يتحدث عن اعتبارهم عند الله , وعن حالهم في الحياة . وعما ينتظرهم يوم يبعثون ليوم عظيم .

كلا ! إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين ? كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين:الذين يكذبون بيوم الدين ; وما يكذب به إلا كل معتد أثيم , إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين . كلا ! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون . كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . ثم إنهم لصالو الجحيم . ثم يقال:هذا الذي كنتم به تكذبون . .

إنهم لا يظنون أنهم مبعوثون ليوم عظيم . . فالقرآن يردعهم عن هذا ويزجرهم , ويؤكد أن لهم كتابا تحصى فيه أعمالهم . . ويحدد موضعه زيادة في التوكيد . ويوعدهم بالويل في ذلك اليوم الذي يعرض فيه كتابهم المرقوم:(كلا . إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين ? كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين)! .

والفجار هم المتجاوزون للحد في المعصية والإثم . واللفظ يوحي بذاته بهذا المعنى . وكتابهم هو سجل أعمالهم . ولا ندري نحن ماهيته ولم نكلف هذا . وهو غيب لا نعرف عنه إلا بمقدار ما يخبرنا عنه صاحبه ولا زيادة – فهناك سجل لأعمال الفجار يقول القرآن:إنه في سجين . ثم يسأل سؤال الاستهوال المعهود في التعبير القرآني:(وما أدراك ما سجين ?)فيلقي ظلال التفخيم ويشعر المخاطب أن الأمر أكبر من إدراكه , وأضخم من أن يحيط به علمه .

ولكنه بقوله: (إن كتاب الفجار لفي سجين)يكون قد حدد له موضعا معينا , وإن يكن مجهولا للإنسان . وهذا التحديد يزيد من يقين المخاطب عن طريق الإيحاء بوجود هذا الكتاب . وهذا هو الإيحاء المقصود من وراء ذكر هذه الحقيقة بهذا القدر , دون زيادة .

ثم يعود إلى وصف كتاب الفجار ذاك فيقول:إنه(كتاب مرقوم). . أي مفروغ منه , لا يزاد فيه ولا ينقص منه , حتى يعرض في ذلك اليوم العظيم .
فإذا كان ذلك:كان(ويل يومئذ للمكذبين)!

ويحدد موضوع التكذيب , وحقيقة المكذبين:

(الذين يكذبون بيوم الدين . وما يكذب به إلا كل معتد أثيم . إذا تتلى عليه آياتنا قال:أساطير الأولين). .فالاعتداء والإثم يقودان صاحبهما إلى التكذيب بذلك اليوم ; وإلى سوء الأدب مع هذا القرآن فيقول عن آياته حين تتلى عليه: (أساطير الأولين). . لما يحويه من قصص الأولين المسوقة فيه للعبرة والعظة , وبيان سنة الله التي لا تتخلف , والتي تأخذ الناس في ناموس مطرد لا يحيد .

ويعقب على هذا التطاول والتكذيب بالزجر والردع:(كلا !)ليس كما يقولون . .

ثم يكشف عن علة هذا التطاول وهذا التكذيب ; وهذه الغفلة عن الحق الواضح وهذا الانطماس في قلوب المكذبين:

(بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). .
أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبونه من الإثم والمعصية . والقلب الذي يمرد على المعصية ينطمس ويظلم ;ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويحجبه عن النور , ويفقده الحساسية شيئا فشيئا حتى يتبلد ويموت . .

روى ابن جرير والترمذي والنسائي وابن ماجة من طرق , عن محمد بن عجلان , عن القعقاع بن حكيم , عن أبي صالح , عن أبي هريرة , عن النبي [ ص ] قال:” إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه . فإن تاب منها صقل قلبه وإن زاد زادت ” . . وقال الترمذي حسن صحيح . ولفظ النسائي:” إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوداء . فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه , فهو الران الذي قال الله تعالى:(كلا ! بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون). . “

ذلك حال الفجار المكذبين . وهذه هي علة الفجور والتكذيب . . ثم يذكر شيئا عن مصيرهم في ذلك اليوم العظيم . يناسب علة الفجور والتكذيب:

كلا ! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . ثم إنهم لصالو الجحيم . ثم يقال:هذا الذي كنتم به تكذبون . .

لقدحجبت قلوبهم المعاصي والآثام , حجبتها عن الإحساس بربها في الدنيا . وطمستها حتى أظلمت وعميت في الحياة . . فالنهاية الطبيعية والجزاء الوفاق في الآخرة أن يحرموا النظر إلى وجه الله الكريم , وأن يحال بينهم وبين هذه السعادة الكبرى , التي لا تتاح إلا لمن شفت روحه ورقت وصفت واستحقت أن تكشف الحجب بينها وبين ربها . ممن قال فيهم في سورة القيامة:
(
وجوه يومئذ ناضرة , إلى ربها ناظرة). .

وهذا الحجاب عن ربهم , عذاب فوق كل عذاب , وحرمان فوق كل حرمان . ونهاية بائسة لإنسان يستمد إنسانيته من مصدر واحد هو اتصاله بروح ربه الكريم . فإذا حجب عن هذا المصدر فقد خصائصه كإنسان كريم ; وارتكس إلى درجة يستحق معها الجحيم:(ثم إنهم لصالوا الجحيم). . ومع الجحيم التأنيب وهو أمر من الجحيم:(ثم يقال:هذا الذي كنتم به تكذبون)!!

04/04/2011 at 10:37 ص أضف تعليق

اسلوب الدعوة فى مواجهة واقع البيئة ::::

 

سورة المطففين

تقديم لسورة المطففين

هذه السورة تصور قطاعا من الواقع العملي الذي كانت الدعوة تواجهه في مكة – إلى جانب ما كانت تستهدفه من إيقاظ القلوب , وهز المشاعر , وتوجيهها إلى هذا الحدث الجديد في حياة العرب وفي حياة الإنسانية , وهو الرسالة السماوية للأرض , وما تتضمنه من تصور جديد شامل محيط .

هذا القطاع من الواقع العملي تصوره السورة في أولها , وهي تتهدد المطففين بالويل في اليوم العظيم ,(يوم يقوم الناس لرب العالمين). . كما تصوره في ختامها وهي تصف سوء أدب الذين أجرموا مع الذين آمنوا , وتغامزهم عليهم , وضحكهم منهم , وقولهم عنهم: (إن هؤلاء لضالون !).

وهذا إلى جانب ما تعرضه من حال الفجار وحال الأبرار ; ومصير هؤلاء وهؤلاء في ذلك اليوم العظيم .

وهي تتألف من أربعة مقاطع . . يبدأ المقطع الأول منها بإعلان الحرب على المطففين: (ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ; وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ?). .

ويتحدث المقطع الثاني عن الفجار في شدة وردع وزجر , وتهديد بالويل والهلاك , ودمغ بالإثم والاعتداء , وبيان لسبب هذا العمى وعلة هذا الانطماس , وتصوير لجزائهم يوم القيامة , وعذابهم بالحجاب عن ربهم , كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم , ثم بالجحيم مع الترذيل والتأنيب: كلا . إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين ? كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين ! الذين يكذبون بيوم الدين . وما يكذب به إلا كل معتد أثيم , إذا تتلى عليه آياتنا قال:أساطير الأولين . كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون . كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . ثم إنهم لصالوا الجحيم . ثم يقال:هذا الذي كنتم به تكذبون . .

والمقطع الثالث يعرض الصفحة المقابلة . صفحة الأبرار . ورفعة مقامهم . والنعيم المقرر لهم . ونضرته التي تفيض على وجوههم . والرحيق الذي يشربون وهم على الأرائك ينظرون . . وهي صفحة ناعمة وضيئة:(كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون ? كتاب مرقوم , يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم , على الأرائك ينظرون , تعرف في وجوههم نضرة النعيم , يسقون من رحيق مختوم , ختامه مسك – وفي ذلك فليتنافس المتنافسون – ومزاجه من تسنيم . عينا يشرب بها المقربون). .

والمقطع الأخير يصف ما كان الأبرار يلاقونه في عالم الغرور الباطل من الفجار من إيذاء وسخرية وسوء أدب . ليضع في مقابله ما آل إليه أمر الأبرار وأمر الفجار في عالم الحقيقة الدائم الطويل:
(
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون , وإذا مروا بهم يتغامزون , وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا:إن هؤلاء لضالون . وما أرسلوا عليهم حافظين . فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون . هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ?). .

والسورة في عمومها تمثل جانبا من بيئة الدعوة , كما تمثل جانبا من أسلوب الدعوة في مواجهة واقع البيئة , وواقع النفس البشرية . . . وهذا ما سنحاول الكشف عنه في عرضنا للسورة بالتفصيل . .

الدرس الأول:1 – 6 ذم المطففين ومظاهر التطفف

(ويل للمطففين:الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون , وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم:يوم يقوم الناس لرب العالمين ?). .

تبدأ السورة بالحرب يعلنها الله على المطففين:(ويل للمطففين). . والويل:الهلاك . وسواء كان المراد هو تقرير أن هذا أمر مقضي , أو أن هذا دعاء . فهو في الحالين واحد فالدعاء من الله قرار . .

وتفسر الآيتان التاليتان معنى المطففين . فهم:(الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون). . فهم الذين يتقاضون بضاعتهم وافية إذا كانوا شراة . ويعطونها للناس ناقصة إذا كانوا بائعين . .

ثم تعجب الآيات الثلاثة التالية من أمر المطففين , الذين يتصرفون كأنه ليس هناك حساب على ما يكسبون في الحياة الدنيا ; وكأن ليس هناك موقف جامع بين يدي الله في يوم عظيم يتم فيه الحساب والجزاء أمام العالمين:(ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ?). .

والتصدي لشأن المطففين بهذا الأسلوب في سورة مكية أمر يلفت النظر . فالسورة المكية عادة توجه اهتمامها إلى أصول العقيدة الكلية:كتقرير وحدانية الله , وانطلاق مشيئته , وهيمنته على الكون والناس . . . وكحقيقة الوحي والنبوة . . وكحقيقة الآخرة والحساب والجزاء . مع العناية بتكوين الحاسة الأخلاقية في عمومها , وربطها بأصول العقيدة . أما التصدي لمسألة بذاتها من مسائل الأخلاق – كمسألة التطفيف في الكيل والميزان – والمعاملات بصفة عامة , فأمر جاء متأخرا في السورة المدنية عند التصدي لتنظيم حياة المجتمع في ظل الدولة الإسلامية , وفق المنهج الإسلامي , الشامل للحياة . .

ومن ثم فإن التصدي لهذا الأمر بذاته في هذه السورة المكية أمر يستحق الانتباه . وهو يشي بعدة دلالات متنوعة , تكمن وراء هذه الآيات القصار . .

إنه يدل أولا على أن الإسلام كان يواجه في البيئة المكية حالة صارخة من هذا التطفيف يزاولها الكبراء , الذين كانوا في الوقت ذاته هم أصحاب التجارات الواسعة , التي تكاد تكون احتكارا . فقد كانت هنالك أموالا ضخمة في أيدي هؤلاء الكبراء يتجرون بها عن طريق القوافل في رحلتي الشتاء والصيف إلى اليمن وإلى الشام . كما افتتحوا أسواقا موسمية كسوق عكاظ في موسم الحج , يقومون فيها بالصفقات ويتناشدون فيها الأشعار !

والنصوص القرآنية هنا تشي بأن المطففين الذين يتهددهم الله بالويل , ويعلن عليهم هذه الحرب , كانوا طبقة الكبراء ذوي النفوذ , الذين يملكون إكراه الناس على ما يريدون . فهم يكتالون (على الناس). . لا من الناس . . فكأن لهم سلطانا على الناس بسبب من الأسباب , يجعلهم يستوفون المكيال والميزان منهم استيفاء وقسرا . وليس المقصود هو أنهم يستوفون حقا . وإلا فليس في هذا ما يستحق إعلان الحرب عليهم . إنما المفهوم أنهم يحصلون بالقسر على أكثر من حقهم , ويستوفون ما يريدون إجبارا . فإذا كالوا للناس أو وزنوا كان لهم من السلطان ما يجعلهم ينقصون حق الناس , دون أن يستطيع هؤلاء منهم نصفة ولا استيفاء حق . .

ويستوي أن يكون هذا بسلطان الرياسة والجاه القبلي . أو بسلطان المال وحاجة الناس لما في أيديهم منه ; واحتكارهم للتجارة حتى يضطر الناس إلى قبول هذا الجور منهم ; كما يقع حتى الآن في الأسواق . . فقد كانت هناك حالة من التطفيف صارخة استحقت هذه اللفتة المبكرة .

كما أن هذه اللفتة المبكرة في البيئة المكية تشي بطبيعة هذا الدين ; وشمول منهجه للحياة الواقعية وشؤونها العملية ; وإقامتها على الأساس الأخلاقي العميق الأصيل في طبيعة هذا المنهج الإلهي القويم . فقد كره هذه الحالة الصارخة من الظلم والانحراف الأخلاقي في التعامل . وهو لم يتسلم بعد زمام الحياة الاجتماعية , لينظمها وفق شريعته بقوة القانون وسلطان الدولة . وأرسل هذه الصيحة المدوية بالحرب والويل على المطففين . وهم يومئذ سادة مكة , أصحاب السلطان المهيمن – لا على أرواح الناس ومشاعرهم عن طريق العقيدة الوثنية فحسب , بل كذلك على اقتصادياتهم وشؤون معاشهم . ورفع صوته عاليا في وجه الغبن والبخس الواقع على الناس وهم جمهرة الشعب المستغلين لكبرائه المتجرين بأرزاقه , المرابين المحتكرين , المسيطرين في الوقت ذاته على الجماهيربأوهام الدين !

فكان الإسلام بهذه الصيحة المنبعثة من ذاته ومن منهجه السماوي موقظا للجماهير المستغلة . ولم يكن قط مخدرا لها حتى وهو محاصر في مكة , بسطوة المتجبرين , المسيطرين على المجتمع بالمال والجاه والدين !

ومن ثم ندرك طرفا من الأسباب الحقيقية التي جعلت كبراء قريش يقفون في وجه الدعوة الإسلامية هذه الوقفة العنيدة . فهم كانوا يدركون – ولا ريب – أن هذا الأمر الجديد الذي جاءهم به محمد [ ص ] ليس مجرد عقيدة تكمن في الضمير , ولا تتطلب منهم إلا شهادة منطوقة , بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . وصلاة يقيمونها لله بلا أصنام ولا أوثان . .

كلا . لقد كانوا يدركون أن هذه العقيدة تعني منهجا يحطم كل أساس الجاهلية التي تقوم عليها أوضاعهم ومصالحهم ومراكزهم . وأن طبيعة هذا المنهج لا تقبل مثنوية ولا تلتئم مع عنصر أرضي غير منبثق من عنصرها السماوي ; وأنها تهدد كل المقومات الأرضية الهابطة التي تقوم عليها الجاهلية . . ومن ثم شنوا عليها تلك الحرب التي لم تضع أوزارها لا قبل الهجرة ولا بعدها . الحرب التي تمثل الدفاع عن أوضاعهم كلها في وجه الأوضاع الإسلامية . لا عن مجرد الاعتقاد والتصور المجردين . .

والذين يحاربون سيطرة المنهج الإسلامي على حياة البشر في كل جيل وفي كل أرض يدركون هذه الحقيقة . يدركونها جيدا . ويعلمون أن أوضاعهم الباطلة , ومصالحهم المغتصبة , وكيانهم الزائف . . وسلوكهم المنحرف . . هذه كلها هي التي يهددها المنهج الإسلامي القويم الكريم !

والطغاة البغاة الظلمة المطففون – في أية صورة من صور التطفيف في المال أو في سائر الحقوق والواجبات – هم الذين يشفقون أكثر من غيرهم من سيطرة ذلك المنهج العادل النظيف ! الذي لا يقبل المساومة , ولا المداهنة , ولا أنصاف الحلول ?

ولقد أدرك ذلك الذين بايعوا رسول الله [ ص ] من نقباء الأوس والخزرج بيعة العقبة الثانية قبل الهجرة:قال ابن إسحاق:وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله [ ص ] قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف:يا معشر الخزرج . هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ? قالوا:نعم . قال:إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس . فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل أسلمتموه فمن الآن ! فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة . وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه , على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه , فهو والله خير الدنيا والآخرة , قالوا:فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف . فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا ? قال:” الجنة ” . . قالوا:ابسط يدك . فبسط يده فبايعوه .

فقد أدرك هؤلاء – كما أدرك كبراء قريش من قبل – طبيعة هذا الدين . وأنه قائم كحد السيف للعدل والنصفة وإقامة حياة الناس على ذلك , لا يقبل من طاغية طغيانا , ولا من باغ بغيا , ولا من متكبر كبرا . ولا يقبل للناس الغبن والخسف والاستغلال . ومن ثم يحاربه كل طاغ باغ متكبر مستغل ; ويقف لدعوته ولدعاته بالمرصاد .

(ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ?). .
وإن أمرهم لعجيب . فإن مجرد الظن بالبعث لذلك اليوم العظيم . يوم يقوم الناس متجردين لرب العالمين , ليس لهم مولى يومئذ سواه , وليس بهم إلا التطلع لما يجريه عليهم من قضاء , وقد علموا أن ليس لهم من دونه ولي ولا نصير . . إن مجرد الظن بأنهم مبعوثون لذلك اليوم كان يكفي ليصدهم عن التطفيف , وأكل أموال الناس بالباطل , واستخدام السلطان في ظلم الناس وبخسهم حقهم في التعامل . . ولكنهم ماضون في التطفيف كأنهم لا يظنون أنهم مبعوثون ! وهو أمر عجيب , وشأن غريب !

انتظروا الدرس الثانى من سورة المطففين

 

27/03/2011 at 12:14 م تعليق واحد

“كيف نزن الأمور” تفسير سورة عبس”سيد قطب”

::سورة عبس::


كيف يزن الناس كل أمور الحياة ? ومن أين يستمدون القيم التي يزنون بها ويقدرون ؟

تعريف بسورة عبس

هذه السورة قوية المقاطع , ضخمة الحقائق , عميقة اللمسات , فريدة الصور والظلال والإيحاءات , موحية الإيقاعات الشعورية والموسيقية على السواء .

يتولى المقطع الأول منها علاج حادث معين من حوادث السيرة:كان النبي [ ص ] مشغولابأمر جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام حينما جاءه ابن أم مكتوم الرجل الأعمى الفقير – وهو لا يعلم أنه مشغول بأمر القوم – يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله , فكره رسول الله [ ص ] هذا وعبس وجهه وأعرض عنه , فنزل القرآن بصدر هذه السورة يعاتب الرسول [ ص ] عتابا شديدا ; ويقرر حقيقة القيم في حياة الجماعة المسلمة في أسلوب قوي حاسم , كما يقرر حقيقة هذه الدعوة وطبيعتها:

(عبس وتولى أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى . أو يذكر فتنفعه الذكرى . أما من استغنى فأنت له تصدى ! وما عليك ألا يزكى ? وأما من جاءك يسعى وهو يخشى , فأنت عنه تلهى ?! كلا ! إنها تذكرة , فمن شاء ذكره , في صحف مكرمة , مرفوعة مطهرة , بأيدي سفرة , كرام بررة). .

ويعالج المقطع الثاني جحود الإنسان وكفره الفاحش لربه , وهو يذكره بمصدر وجوده , وأصل نشأته , وتيسير حياته , وتولي ربه له في موته ونشره ; ثم تقصيره بعد ذلك في أمره:

(قتل الإنسان ما أكفره ! من أي شيء خلقه ? من نطفة خلقه فقدره , ثم السبيل يسره , ثم أماته فأقبره , ثم إذا شاء أنشره , كلا ! لما يقض ما أمره). .

والمقطع الثالث يعالج توجيه القلب البشري إلى أمس الأشياء به وهو طعامه وطعام حيوانه . وما وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له , كتدبيرة وتقديره في نشأته:

(فلينظر الإنسان إلى طعامه , أنا صببنا الماء صبا . ثم شققنا الأرض شقا , فأنبتنا فيها حبا , وعنبا وقضبا , وزيتونا ونخلا , وحدائق غلبا , وفاكهة وأبا , متاعا لكم ولأنعامكم). .

فأما المقطع الأخير فيتولى عرض(الصاخة)يوم تجيء بهولها , الذي يتجلى في لفظها , كما تتجلى آثارها في القلب البشري الذي يذهل عما عداها ; وفي الوجوه التي تحدث عما دهاها:

(فإذا جاءت الصاخة . يوم يفر المرء من أخيه , وأمه وأبيه , وصاحبته وبنيه , لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه , وجوه يومئذ مسفرة , ضاحكة مستبشرة , ووجوه يومئذ عليها غبرة , ترهقها قترة , أولئك هم الكفرة الفجرة). .

إن استعراض مقاطع السورة وآياتها – على هذا النحو السريع – يسكب في الحس إيقاعات شديدة التأثير . فهي من القوة والعمق بحيث تفعل فعلها في القلب بمجرد لمسها له بذاتها .

وسنحاول أن نكشف عن جوانب من الآماد البعيدة التي تشير إليها بعض مقاطعها مما قد لا تدركه النظرة الأولى .

الدرس الأول:1 – 16 حادثة الرسول عليه الصلاة والسلام مع ابن أم مكتوم

(عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزكى ? أو يذكر فتنفعه الذكرى ? أما من استغنى فأنت له تصدى ? وما عليك ألا يزكى ? وأما من جاءك يسعى وهو يخشى , فأنت عنه تلهى ?! كلا ! إنها تذكرة . فمن شاء ذكره , في صحف مكرمة , مرفوعة مطهرة , بأيدي سفرة , كرام بررة). .

إن هذا التوجيه الذي نزل بشأن هذا الحادث هو أمر عظيم جدا . أعظم بكثير مما يبدو لأول وهلة . إنه معجزة , هو والحقيقة التي أراد إقرارها في الأرض , والآثار التي ترتبت على إقرارها بالفعل في حياة البشرية . ولعلها هي معجزة الإسلام الأولى , ومعجزته الكبرى كذلك . ولكن هذا التوجيه يرد هكذا – تعقيبا على حادث فردي – على طريقة القرآن الإلهية في اتخاذ الحادث المفرد والمناسبة المحدودة فرصة لتقرير الحقيقة المطلقة والمنهج المطرد .

وإلا فإن الحقيقة التي استهدف هذا التوجيه تقريرها هنا والآثار الواقعية التي ترتبت بالفعل على تقريرها في حياة الأمة المسلمة , هي الإسلام في صميمه . وهي الحقيقة التي أراد الإسلام – وكل رسالة سماوية قبله – غرسها في الأرض .

هذه الحقيقة ليست هي مجرد:كيف يعامل فرد من الناس ? أو كيف يعامل صنف من الناس ? كما هو المعنى القريب للحادث وللتعقيب . إنما هي أبعد من هذا جدا , وأعظم من هذا جدا . إنها:كيف يزن الناس كل أمور الحياة ? ومن أين يستمدون القيم التي يزنون بها ويقدرون ?

والحقيقة التي استهدف هذا التوجيه إقرارها هي:أن يستمد الناس في الأرض قيمهم وموازينهم من اعتبارات سماوية إلهية بحتة , آتية لهم من السماء , غير مقيدة بملابسات أرضهم , ولا بمواضعات حياتهم , ولا نابعة من تصوراتهم المقيدة بهذه المواضعات وتلك الملابسات .

وهو أمر عظيم جدا , كما أنه أمر عسير جدا . عسير أن يعيش الناس في الأرض بقيم وموازين آتية من السماء . مطلقة من اعتبارات الأرض . متحررة من ضغط هذه الاعتبارات .

ندرك عظمة هذا الأمر وعسره حين ندرك ضخامة الواقع البشري , وثقله على المشاعر , وضغطه على النفوس , وصعوبة التخلي عن الملابسات والضغوط الناشئة من الحياة الواقعية للناس , المنبثقة من أحوال معاشهم , وارتباطات حياتهم , وموروثات بيئتهم , ورواسب تاريخهم , وسائر الظروف الأخرى التي تشدهم إلى الأرض شدا , وتزيد من ضغط موازينها وقيمها وتصوراتها على النفوس .

كذلك ندرك عظمة هذا الأمر وعسره حين ندرك أن نفس محمد بن عبد الله [ ص ] قد احتاجت – كي تبلغه – إلى هذا التوجيه من ربه ; بل إلى هذا العتاب الشديد , الذي يبلغ حد التعجيب من تصرفه !

وإنه ليكفي لتصوير عظمة أي أمر في هذا الوجود أن يقال فيه:إن نفس محمد بن عبد الله [ ص ] قد احتاجت – كي تبلغه – إلي تنبيه وتوجيه !

نعم يكفي هذا . فإن عظمة هذه النفس وسموها ورفعتها , تجعل الأمر الذي يحتاج منها – كي تبلغه – إلى تنبيه وتوجيه أمرا أكبر من العظمة , وأرفع من الرفعة ! وهذه هي حقيقة هذا الأمر , الذي استهدف التوجيه الإلهي إقراره في الأرض , بمناسبة هذا الحادث المفرد . . أن يستمد الناس قيمهم وموازينهم من السماء , طلقاء من قيم الأرض وموازينها المنبثقة من واقعهم كله . . وهذا هو الأمر العظيم . .

إن الميزان الذي أنزله الله للناس مع الرسل , ليقوموا به القيم كلها , هو: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). . هذه هي القيمة الوحيدة التي يرجح بها وزن الناس أو يشيل ! وهي قيمة سماوية بحتة , لا علاقة لها بمواضعات الأرض وملابساتها إطلاقا . .

ولكن الناس يعيشون في الأرض , ويرتبطون فيما بينهم بارتباطات شتى ; كلها ذات وزن وذات ثقل وذات جاذبية في حياتهم . وهم يتعاملون بقيم أخرى . . فيها النسب , وفيها القوة , وفيها المال . وفيها ما ينشأ عن توزيع هذه القيم من ارتباطات عملية . . اقتصادية وغير اقتصادية . . تتفاوت فيها أوضاع الناس بعضهم بالنسبة لبعض . فيصبح بعضهم أرجح من بعض في موازين الأرض . .

ثم يجيء الإسلام ليقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). . فيضرب صفحا عن كل تلك القيم الثقيلة الوزن في حياة الناس , العنيفة الضغط على مشاعرهم , الشديدة الجاذبية إلى الأرض . ويبدل من هذا كلهتلك القيمة الجديدة المستمدة مباشرة من السماء , المعترف بها وحدها في ميزان السماء !

ثم يجيء هذا الحادث لتقرير هذه القيمة في مناسبة واقعية محددة . وليقرر معها المبدأ الأساسي:وهو أن الميزان ميزان السماء , والقيمة قيمة السماء . وأن على الأمة المسلمة أن تدع كل ما تعارف عليه الناس , وكل ما ينبثق من علاقات الأرض من قيم وتصورات وموازين واعتبارات , لتستمد القيم من السماء وحدها وتزنها بميزان السماء وحده !

ويجيء الرجل الأعمى الفقير . . ابن أم مكتوم . . إلى رسول الله [ ص ] وهو مشغول بأمر النفر من سادة قريش . عتبة وشيبة ابني ربيعة , وأبي جهل عمرو بن هشام , وأمية بن خلف , والوليد بن المغيرة , ومعهم العباس بن عبد المطلب . . والرسول [ ص ] يدعوهم إلى الإسلام ; ويرجو بإسلامهم خيرا للإسلام في عسرته وشدته التي كان فيها بمكة ;

وهؤلاء النفر يقفون في طريقه بمالهم وجاههم وقوتهم ; ويصدون الناس عنه , ويكيدون له كيدا شديدا حتى ليجمدوه في مكة تجميدا ظاهرا . بينما يقف الآخرون خارج مكة , لا يقبلون على الدعوة التي يقف لها أقرب الناس إلى صاحبها , وأشدهم عصبية له , في بيئة جاهلية قبلية , تجعل لموقف القبيلة كل قيمة وكل اعتبار .

يجيء هذا الرجل الأعمى الفقير إلى رسول الله [ ص ] وهو مشغول بأمر هؤلاء النفر . لا لنفسه ولا لمصلحته , ولكن للإسلام ولمصلحة الإسلام . فلو أسلم هؤلاء لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة في مكة ; ولانساح بعد ذلك الإسلام فيما حولها , بعد إسلام هؤلاء الصناديد الكبار . .

يجيء هذا الرجل , فيقول لرسول الله [ ص ]:يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله . . ويكرر هذا وهو يعلم تشاغل الرسول [ ص ] بما هو فيه من الأمر . فيكره الرسول قطعه لكلامه واهتمامه . وتظهر الكراهية في وجهه – الذي لا يراه الرجل – فيعبس ويعرض . يعرض عن الرجل المفرد الفقير الذي يعطله عن الأمر الخطير . الأمر الذي يرجو من ورائه لدعوته ولدينه الشيء الكثير ; والذي تدفعه إليه رغبته في نصرة دينه , وإخلاصه لأمر دعوته , وحبه لمصلحة الإسلام , وحرصه على انتشاره !

وهنا تتدخل السماء . تتدخل لتقول كلمة الفصل في هذا الأمر ; ولتضع معالم الطريق كله , ولتقرر الميزان الذي توزن فيه القيم – بغض النظر عن جميع الملابسات والاعتبارات . بما في ذلك اعتبار مصلحة الدعوة كما يراها البشر . بل كما يراها سيد البشر [ ص ] .

وهنا يجيء العتاب من الله العلي الأعلى لنبيه الكريم , صاحب الخلق العظيم , في أسلوب عنيف شديد . وللمرة الوحيدة في القرآن كله يقال للرسول الحبيب القريب:(كلا !)وهي كلمة ردع وزجر في الخطاب ! ذلك أنه الأمر العظيم الذي يقوم عليه هذا الدين !

والأسلوب الذي تولى به القرآن هذا العتاب الإلهي أسلوب فريد , لا تمكن ترجمته في لغة الكتابة البشرية . فلغة الكتابة لها قيود وأوضاع وتقاليد , تغض من حرارة هذه الموحيات في صورتها الحية المباشرة . وينفرد الأسلوب القرآني بالقدرة على عرضها في هذه الصورة في لمسات سريعة . وفي عبارات متقطعة . وفي تعبيرات كأنها انفعالات , ونبرات وسمات ولمحات حية !

(عبس وتولى . أن جاءه الأعمى). . بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب ! وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب – سبحانه – أن يواجه به نبيه وحبيبه . عطفا عليه , ورحمة به , وإكراما له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه !

ثم يستدير التعبير – بعد مواراة الفعل الذي نشأ عنه العتاب – يستدير إلى العتاب في صيغة الخطاب . فيبدأ هادئا شيئا ما:(وما يدريك لعله يزكى ? أو يذكر فتنفعه الذكرى ?). . ما يدريك أن يتحقق هذا الخير الكبير . أن يتطهر هذا الرجل الأعمى الفقير – الذي جاءك راغبا فيما عندك من الخير – وأن يتيقظ قلبه فيتذكر فتنفعه الذكرى . وما يدريك أن يشرق هذا القلب بقبس من نور الله , فيستحيل منارة في الأرض تستقبل نور السماء ? الأمر الذي يتحقق كلما تفتح قلب للهدى وتمت حقيقة الإيمان فيه . وهو الأمر العظيم الثقيل في ميزان الله . .

ثم تعلو نبرة العتاب وتشتد لهجته ; وينتقل إلى التعجيب من ذلك الفعل محل العتاب: أما من استغنى , فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى ?! وأما من جاءك يسعى وهو يخشى , فأنت عنه تلهى ?! . . أما من أظهر الاستغناء عنك وعن دينك وعما عندك من الهدى والخير والنور والطهارة . . أما هذا فأنت تتصدى له وتحفل أمره , وتجهد لهدايته , وتتعرض له وهو عنك معرض !

(وما عليك ألا يزكى ?). . وما يضيرك أن يظل في رجسه ودنسه ? وأنت لا تسأل عن ذنبه . وأنت لا تنصر به . وأنت لا تقوم بأمره . .(وأما من جاءك يسعى)طائعا مختارا ,(وهو يخشى)ويتوقى(فأنت عنه تلهى !). . ويسمى الإنشغال عن الرجل المؤمن الراغب في الخير التقي تلهيا . . وهو وصف شديد . .

ثم ترتفع نبرة العتاب حتى لتبلغ حد الردع والزجر:(كلا !). . لا يكن ذلك أبدا . . وهو خطاب يسترعي النظر في هذا المقام .

ثم يبين حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها , واستغناءها عن كل أحد . وعن كل سند وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها , كائنا ما كان وضعه ووزنه في موازين الدنيا:

(إنها تذكرة . فمن شاء ذكره . في صحف مكرمة . مرفوعة مطهرة . بأيدي سفرة . كرام بررة .). . فهي كريمة في كل اعتبار . كريمة في صحفها , المرفوعة المطهرة الموكل بها السفراء من الملأ الأعلى ينقلونها إلى المختارين في الأرض ليبلغوها . وهم كذلك كرام بررة . . فهي كريمة طاهرة في كل ما يتعلق بها , وما يمسها من قريب أو من بعيد . وهي عزيزة لا يتصدى بها للمعرضين الذين يظهرون الاستغناء عنها ; فهي فقط لمن يعرف كرامتها ويطلب التطهر بها . .

هذا هو الميزان . ميزان الله . الميزان الذي توزن به القيم والإعتبارات , ويقدر به الناس والأوضاع . . وهذه هي الكلمة . كلمة الله . الكلمة التي ينتهي إليها كل قول , وكل حكم , وكل فصل .

وأين هذا ? ومتى ? في مكة , والدعوة مطاردة , والمسلمون قلة . والتصدي للكبراء لا ينبعث من مصلحة ذاتية ; والانشغال عن الأعمى الفقير لا ينبعث من اعتبار شخصي . إنما هي الدعوة أولا وأخيرا . ولكن الدعوة إنما هي هذا الميزان , وإنما هي هذه القيم , وقد جاءت لتقرر هذا الميزان وهذه القيم في حياة البشر . فهي لا تعز ولا تقوى ولا تنصر إلا بإقرار هذا الميزان وهذه القيم . .

ثم إن الأمر – كما تقدم – أعظم وأشمل من هذا الحادث المفرد , ومن موضوعه المباشر . إنما هو أن يتلقى الناس الموازين والقيم من السماء لا من الأرض , ومن الاعتبارات السماوية لا من الاعتبارات الأرضية . . (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). .

والأكرم عند الله هو الذي يستحق الرعاية والاهتمام والاحتفال , ولو تجرد من كل المقومات والاعتبارات الأخرى , التي يتعارف عليها الناس تحت ضغط واقعهم الأرضي ومواضعاتهم الأرضية . النسب والقوة والمال . . وسائر القيم الأخرى , لا وزن لها حين تتعرى عن الإيمان والتقوى . والحالة الوحيدة التي يصح لها فيها وزن واعتبار هي حالة ما إذا أنفقت لحساب الإيمان والتقوى .

هذه هي الحقيقة الكبيرة التي استهدف التوجيه الإلهي إقرارها في هذه المناسبة , على طريقة القرآن في اتخاذ الحادث المفرد والمناسبة المحدودة , وسيلة لإقرار الحقيقة المطلقة والمنهج المطرد .

ولقد انفعلت نفس الرسول [ ص ] لهذا التوجيه , ولذلك العتاب . انفعلت بقوة وحرارة , واندفعت إلى إقرار هذه الحقيقة في حياته كلها , وفي حياة الجماعة المسلمة . بوصفها هي حقيقة الإسلام الأولى .

وكانت الحركة الأولى له [ ص ] هي إعلان ما نزل له من التوجيه والعتاب في الحادث . وهذا الإعلان أمر عظيم رائع حقا . أمر لا يقوى عليه إلا رسول , من أي جانب نظرنا إليه في حينه .

نعم لا يقوى إلا رسول على أن يعلن للناس أنه عوتب هذا العتاب الشديد , بهذه الصورة الفريدة في خطأ أتاه ! وكان يكفي لأي عظيم – غير الرسول – أن يعرف هذا الخطأ وأن يتلافاه في المستقبل . ولكنها النبوة . أمر آخر . وآفاق أخرى !

لا يقوى إلا رسول على أن يقذف بهذا الأمر هكذا في وجوه كبراء قريش في مثل تلك الظروف التي كانت فيها الدعوة , مع أمثال هؤلاء المستعزين بنسبهم وجاههم ومالهم وقوتهم , في بيئة لا مكان فيها لغير هذه الاعتبارات , إلى حد أن يقال فيها عن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم: (لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم !). . وهذا نسبه فيهم , لمجرد أنه هو شخصيا لم تكن له رياسة فيهم قبل الرسالة !

ثم إنه لا يكون مثل هذا الأمر في مثل هذه البيئة إلا من وحي السماء . فما يمكن أن ينبثق هذا من الأرض . . ومن هذه الأرض بذاتها في ذلك الزمان !!

وهي قوة السماء التي دفعت مثل هذا الأمر في طريقه ; فإذا هو ينفذ من خلال نفس النبي [ ص ] إلى البيئة من حوله ; فيتقرر فيها بعمق وقوة واندفاع , يطرد به أزمانا طويلة في حياة الأمة المسلمة .

لقد كان ميلادا جديدا للبشرية كميلاد الإنسان في طبيعته . وأعظم منه خطرا في قيمته . . أن ينطلق الإنسان حقيقة – شعورا وواقعا – من كل القيم المتعارف عليها في الأرض , إلى قيم أخرى تتنزل له من السماء منفصلة منعزلة عن كل ما في الأرض من قيم وموازين وتصورات واعتبارات وملابسات عملية , وارتباطات واقعية ذات ضغط وثقل , ووشائج متلبسة باللحم والدم والأعصاب والمشاعر .

ثم أن تصبح القيم الجديدة مفهومة من الجميع , مسلما بها من الجميع . وأن يستحيل الأمر العظيم الذي احتاجت نفس محمد [ ص ] كي تبلغه إلى التنبيه والتوجيه , أن يستحيل هذا الأمر العظيم بديهية الضمير المسلم , وشريعة المجتمع المسلم , وحقيقة الحياة الأولى في المجتمع الإسلامي لآماد طويلة في حياة المسلمين .

إننا لا نكاد ندرك حقيقة ذلك الميلاد الجديد . لأننا لا نتمثل في ضمائرنا حقيقة هذا الانطلاق من كل ما تنشئه أوضاع الأرض وارتباطاتها من قيم وموازين واعتبارات ساحقة الثقل إلى الحد الذي يخيل لبعض أصحاب المذاهب “التقدمية ! ” أن جانبا واحدا منها – هو الأوضاع الاقتصادية – هو الذي يقرر مصائر الناس وعقائدهم وفنونهم وآدابهم وقوانينهم وعرفهم وتصورهم للحياة ! كما يقول أصحاب مذهب التفسير المادي للتاريخ في ضيق أفق , وفي جهالة طاغية بحقائق النفس وحقائق الحياة !

إنها المعجزة . معجزة الميلاد الجديد للإنسان على يد الإسلام في ذلك الزمان . .

ومنذ ذلك الميلاد سادت القيم التي صاحبت ذلك الحادث الكوني العظيم . . ولكن المسألة لم تكن هينة ولا يسيرة في البيئة العربية , ولا في المسلمين أنفسهم . . غير أن الرسول [ ص ] قد استطاع – بإرادة الله , وبتصرفاته هو وتوجيهاته المنبعثة من حرارة انفعاله بالتوجيه القرآني الثابت – أن يزرع هذه الحقيقة في الضمائر وفي الحياة ; وأن يحرسها ويرعاها , حتى تتأصل جذورها , وتمتد فروعها , وتظلل حياة الجماعة المسلمة قرونا طويلة . . على الرغم من جميع عوامل الانتكاس الأخرى . .

كان رسول الله [ ص ] بعد هذا الحادث يهش لابن أم مكتوم ويرعاه ; ويقول له كلما لقيه:” أهلا بمن عاتبني فيه ربي ” وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة . .

ولكي يحطم موازين البيئة وقيمها المنبثقة من اعتبار الأرض ومواضعاتها , زوج بنت خالته زينب بنت جحش الأسدية , لمولاه زيد بن حارثة . ومسألة الزواج والمصاهرة مسألة حساسة شديدة الحساسية . وفي البيئة العربية بصفة خاصة .

وقبل ذلك حينما آخى بين المسلمين في أول الهجرة , جعل عمه حمزة ومولاه زيدا أخوين . وجعل خالد بن رويحة الخثعمي وبلال بن رباح أخوين !

وبعث زيدا أميرا في غزوة مؤتة , وجعله الأمير الأول , يليه جعفر بن أبي طالب , ثم عبد الله بن رواحة الأنصاري , على ثلاثة آلاف من المهاجرين والأنصار , فيهم خالد بن الوليد .

وخرج رسول الله [ ص ] بنفسه يشيعهم . . وهي الغزوة التي استشهد فيها الثلاثة رضي الله عنهم .

وكان آخر عمل من أعماله [ ص ] أن أمر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم , يضم كثرة من المهاجرين والأنصار , فيهم أبو بكر وعمر وزيراه , وصاحباه , والخليفتان بعده بإجماع المسلمين . وفيهم سعد بن أبي وقاص قريبه [ ص ] ومن أسبق قريش إلى الإسلام .

وقد تململ بعض الناس من إمارة أسامة وهو حدث . وفي ذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما -:بعث رسول الله [ ص ] بعثا أمر عليهم أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – فطعن بعض الناس في إمارته , فقال النبي [ ص ] إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل . وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة , وإن كان لمن أحب الناس إلي . وإن هذا لمن أحب الناس إلي . .

ولما لغطت ألسنة بشأن سلمان الفارسي , وتحدثوا عن الفارسية والعربية , بحكم إيحاءات القومية الضيقة , ضرب رسول الله [ ص ] ضربته الحاسمة في هذا الأمر فقال:” سلمان منا أهل البيت ” فتجاوز به – بقيم السماء وميزانها – كل آفاق النسب الذي يستعزون به , وكل حدود القومية الضيقة التي يتحمسون لها . . وجعله من أهل البيت رأسا !

ولما وقع بين أبي ذر الغفاري وبلال بن رباح – رضي الله عنهما – ما أفلت معه لسان أبي ذر بكلمة “يا بن السوداء” . . غضب لها رسول الله [ ص ] غضبا شديدا ; وألقاها في وجه أبي ذر عنيفة مخيفة: يا أبا ذر طف الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل . . ففرق في الأمر إلى جذوره البعيدة . . إما إسلام فهي قيم السماء وموازين السماء . وإما جاهلية فهي قيم الأرض وموازين الأرض !
ووصلت الكلمة النبوية بحرارتها إلى قلب أبي ذر الحساس ; فانفعل لها أشد الانفعال , ووضع جبهته على الأرض يقسم ألا يرفعها حتى يطأها بلال . تكفيرا عن قولته الكبيرة !

وكان الميزان الذي ارتفع به بلال هو ميزان السماء . . عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:قال رسول الله [ ص ]:” يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام منفعة عندك . فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة ” . فقال:ما عملت في الإسلم عملا أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي .

وكان رسول الله [ ص ] يقول عن عمار بن ياسر وقد استأذن عليه:” ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب ” . . وقال عنه:” ملئ عمار – رضي الله عنه – إيمانا إلى مشاشه ” . . وعن حذيفة – رضي الله عنه قال رسول الله [ ص ]:” إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي – وأشار إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما – واهتدوا بهدي عمار . وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه ” .

وكان ابن مسعود يحسبه الغريب عن المدينة من أهل بيت رسول الله . . عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال:قدمت أنا وأخي من اليمن , فمكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله [ ص ] من كثرة دخولهم على رسول الله [ ص ] ولزومهم له” .

وجليبيب – وهو رجل من الموالي – كان رسول الله [ ص ] يخطب له بنفسه ليزوجه امرأة من الأنصار . فلما تأبى أبواها قالت هي:أتريدون أن تردوا على رسول الله [ ص ] أمره ? إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه . فرضيا وزوجاها .

وقد افتقده رسول الله [ ص ] في الوقعة التي استشهد فيها بعد فترة قصيرة من زواجه . . عن أبي برزة الأسلمي – رضي الله عنه – قال:كان رسول الله [ ص ] في مغزى له , فأفاء الله عليه . فقال لأصحابه:” هل تفقدون من أحد ? ” قالوا:نعم فلانا وفلانا وفلانا . ثم قال:” هل تفقدون من أحد ? ” قالوا:نعم فلانا وفلانا وفلانا . ثم قال:” هل تفقدون من أحد ? ” فقالوا:لا . قال:” لكني أفقد جليبيبا ” فطلبوه , فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه . فأتى النبي [ ص ] فوقف عليه , ثم قال:” قتل سبعة ثم قتلوه . هذا مني وأنا منه . هذا مني وأنا منه ” . ثم وضعه على ساعديه , ليس له سريرا إلا ساعدا النبي [ ص ] قال:فحفر له , ووضع في قبره ولم يذكر غسلا .

بذلك التوجيه الإلهي وبهذا الهدي النبوي كان الميلاد للبشرية على هذا النحو الفريد . ونشأ المجتمع الرباني الذي يتلقى قيمه وموازينه من السماء , طليقا من قيود الأرض , بينما هو يعيش على الأرض . . وكانت هذه هي المعجزة الكبرى للإسلام . المعجزة التي لا تتحقق إلا بإرادة إله , وبعمل رسول . والتي تدل بذاتها على أن هذا الدين من عند الله , وأن الذي جاء به للناس رسول !

وكان من تدبير الله لهذا الأمر أن يليه بعد رسول الله [ ص ] صاحبه الأول أبو بكر , وصاحبه الثاني عمر . . أقرب اثنين لإدراك طبيعة هذا الأمر , وأشد اثنين انطباعا بهدى رسول الله , وأعمق اثنين حبا لرسول الله , وحرصا على تتبع مواضع حبه ومواقع خطاه .

حفظ أبو بكر – رضي الله عنه – عن صاحبه [ ص ] ما أراده في أمر أسامة . فكان أول عمل له بعد توليه الخلافة هو إنفاذه بعث أسامة , على رأس الجيش الذي أعده رسول الله [ ص ] وسار يودعه بنفسه إلى ظاهر المدينة . أسامة راكب وأبو بكر الخليفة راجل . فيستحيي أسامة الفتى الحدث أن يركب والخليفة الشيخ يمشي . فيقول:” يا خليفة رسول الله لتركبن أو لأنزلن ” . . فيقسم الخليفة:” والله لا تنزل . ووالله لا أركب . وما علي أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ? ” . .

ثم يرى أبو بكر أنه في حاجة إلى عمر . وقد حمل عبء الخلافة الثقيل . ولكن عمر إنما هو جندي في جيش أسامة . وأسامة هو الأمير . فلا بد من استئذانه فيه . فإذا الخليفة يقول:” إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل ” . . يالله ! إن رأيت أن تعينني فافعل . . إنها آفاق عوال , لا يرقى إليها الناس إلا بإرادة الله , على يدي رسول من عند الله !

ثم تمضي عجلة الزمن فنرى عمر بن الخطاب خليفة يولي عمار بن ياسر على الكوفة .

ويقف بباب عمر سهيل بن عمرو بن الحارث بن هشام , وأبو سفيان بن حرب , وجماعة من كبراء قريش من الطلقاء ! فيأذن قبلهم لصهيب وبلال . لأنهما كانا من السابقين إلى الإسلام ومن أهل بدر . فتورم أنف أبي سفيان , ويقول بانفعال الجاهلية:”لم أر كاليوم قط . يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه ! ” . . فيقول له صاحبه – وقد استقرت في حسه حقيقة الإسلام:”أيها القوم . إني والله أرى الذي في وجوهكم . إن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم . دعي القوم إلى الإسلام ودعيتم . فأسرعوا وأبطأتم . فكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وتركتم ? ” .

ويفرض عمر لأسامة بن زيد أكبر مما يفرض لعبد الله بن عمر . حتى إذا سأله عبد الله عن سر ذلك قال له:”يا بني . كان زيد – رضي الله عنه – أحب إلى رسول الله [ ص ] من أبيك ! وكان أسامة – رضي الله عنه – أحب إلى رسول الله [ ص ] منك ! فآثرت حب رسول الله [ ص ] على حبي” . . يقولها عمر وهو يعلم أن حب رسول الله [ ص ] إنما كان مقوما بميزان السماء !

ويرسل عمر عمارا ليحاسب خالد بن الوليد – القائد المظفر صاحب النسب العريق – فيلببه بردائه . . ويروى أنه أوثقه بشال عمامته حتى ينتهي من حسابه فتظهر براءته فيفك وثاقه ويعممه بيده . . وخالد لا يرى في هذاكله بأسا . فإنما هو عمار صاحب رسول الله [ ص ] السابق إلى الإسلام الذي قال عنه رسول الله [ ص ] ما قال !

وعمر هو الذي يقول عن أبي بكر – رضي الله عنهما – هو سيدنا وأعتق سيدنا . يعني بلالا . الذي كان مملوكا لأمية بن خلف . وكان يعذبه عذابا شديدا . حتى اشتراه منه أبو بكر وأعتقه . . وعنه يقول عمر بن الخطاب . . عن بلال . . سيدنا !

وعمر هو الذي قال:”ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لاستخلفته” يقول هذا , وهو لم يستخلف عثمان ولا عليا , ولا طلحة ولا الزبير . . إنما جعل الشورى في الستة بعده ولم يستخلف أحدا بذاته !

وعلي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – يرسل عمارا والحسن بن علي – رضي الله عنهما – إلى أهل الكوفة يستنفرهم في الأمر الذي كان بينه وبين عائشة – رضي الله عنها – فيقول:”إني لأعلم أنها زوجة نبيكم [ ص ] في الدنيا والآخرة , ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو تتبعوها” . . فيسمع له الناس في شأن عائشة أم المؤمنين , وبنت الصديق أبي بكر – رضي الله عنهم جميعا .

وبلال بن رباح يرجوه أخوه في الإسلام أبو رويحة الخثعمي أن يتوسط له في الزواج من قوم من أهل اليمن . فيقول لهم:”أنا بلال بن رباح , وهذا أخي أبو رويحة , وهو امرؤ سوء في الخلق والدين . فإن شئتم أن تزوجوه فزوجوه , وإن شئتم أن تدعوا فدعوا ” . . فلا يدلس عليهم , ولا يخفي من أمر أخيه شيئا , ولا يذكر أنه وسيط وينسى أنه مسؤول أمام الله فيما يقول . . فيطمئن القوم إلى هذا الصدق . . ويزوجون أخاه , وحسبهم – وهو العربي ذو النسب – أن يكون بلال المولى الحبشي وسيطه !

واستقرت تلك الحقيقة في المجتمع الإسلامي , وظلت مستقرة بعد ذلك آمادا طويلة على الرغم من عوامل الانتكاس الكثيرة . “وقد كان عبد الله بن عباس يذكر ويذكر معه مولاه عكرمة . وكان عبد الله ابن عمر يذكر ويذكر معه مولاه نافع . وأنس بن مالك ومعه مولاه ابن سيرين . وأبو هريرة ومعه مولاه عبد الرحمن بن هرمز . وفي البصرة كان الحسن البصري . وفي مكة كان مجاهد بن جبر , وعطاء بن رباح , وطاووس بن كيسان هم الفقهاء . وفي مصر تولى الفتيا يزيد بن أبي حبيب في أيام عمر بن عبد العزيز وهو مولى أسود من دنقلة ” . .

وظل ميزان السماء يرجح بأهل التقوى ولو تجردوا من قيم الأرض كلها . . وفي اعتبار أنفسهم وفي اعتبار الناس من حولهم . ولم يرفع هذا الميزان من الأرض إلا قريبا جدا بعد أن طغت الجاهلية طغيانا شاملا في أنحاء الأرض جميعا . وأصبح الرجل يقوم برصيده من الدولارات في أمريكا زعيمة الدول الغربية . وأصبح الإنسان كله لا يساوي الآلة في المذهب المادي المسيطر في روسيا زعيمة الدول الشرقية . أما أرض المسلمين فقد سادت فيها الجاهلية الأولى , التي جاء الإسلام ليرفعها من وهدتها ; وانطلقت فيها نعرات كان الإسلام قد قضى عليها . وحطمت ذلك الميزان الإلهي وارتدت إلى قيم جاهلية زهيدة لا تمت بصلة إلى الإيمان والتقوى . .

ولم يعد هنالك إلا أمل يناط بالدعوة الإسلامية أن تنقذ البشرية كلها مرة أخرى من الجاهلية ; وأن يتحقق على يديها ميلاد جديد للإنسان كالميلاد الذي شهدته أول مرة , والذي جاء ذلك الحادث الذي حكاه مطلع هذه السورة ليعلنه في تلك الآيات القليلة الحاسمة العظيمة . .

الدرس الثاني:17 – 23 تذكير الإنسان بأصله وتكريمه ورعاية الله له

وبعد تقرير تلك الحقيقة الكبيرة في ثنايا التعقيب على ذلك الحادث , في المقطع الأول من السورة , يعجب السياق في المقطع الثاني من أمر هذا الإنسان , الذي يعرض عن الهدى , ويستغني عن الإيمان , ويستعلي على الدعوة إلى ربه . . يعجب من أمره وكفره , وهو لا يذكر مصدر وجوده , وأصل نشأته , ولا يرى عناية الله به وهيمنته كذلك على كل مرحلة من مراحل نشأته في الأولى والآخرة ; ولا يؤدي ما عليه لخالقه وكافله ومحاسبه:

(قتل الإنسان ما أكفره ! من أي شيء خلقه ! من نطفة خلقه فقدره . ثم السبيل يسره . ثم أماته فأقبره . ثم إذا شاء أنشره . كلا ! لما يقض ما أمره). .

(قتل الإنسان !). . فإنه ليستحق القتل على عجيب تصرفه . . فهي صيغة تفظيع وتقبيح وتشنيع لأمره . وإفادة أنه يرتكب ما يستوجب القتل لشناعته وبشاعته . .
ما أكفره ! . . ما أشد كفره وجحوده ونكرانه لمقتضيات نشأته وخلقته . ولو رعى هذه المقتضيات لشكر خالقه , ولتواضع في دنياه , ولذكر آخرته . .

وإلا فعلام يتكبر ويستغني ويعرض ? وما هو أصله وما هو مبدؤه ?

(من أي شيء خلقه ?). .
إنه أصل متواضع زهيد يستمد كل قيمته من فضل الله ونعمته , ومن تقديره وتدبيره:

(من نطفة خلقه فقدره). .
من هذا الشيء الذي لا قيمة له ; ومن هذا الأصل الذي لا قوام له . . ولكن خالقه هو الذي قدره . قدره . من تقدير الصنع وإحكامه . وقدره:من منحه قدرا وقيمة فجعله خلقا سويا , وجعله خلقا كريما . وارتفع به من ذلك الأصل المتواضع , إلى المقام الرفيع الذي تسخر له فيه الأرض وما عليها .

(ثم السبيل يسره). .
فمهد له سبيل الحياة . أو مهد له سبيل الهداية . ويسره لسلوكه بما أودعه من خصائص واستعدادات . سواء لرحلة الحياة , أو للإهتداء فيها .
حتى إذا انتهت الرحلة , صار إلى النهاية التي يصير إليها كل حي . بلا اختيار ولا فرار:

(ثم أماته فأقبره). .
فأمره في نهايته كأمره في بدايته , في يد الذي أخرجه إلى الحياة حين شاء , وأنهى حياته حين شاء , وجعل مثواه جوف الأرض , كرامة له ورعاية , ولم يجعل السنة أن يترك على ظهرها للجوارح والكواسر . وأودع فطرته الحرص على مواراة ميته وقبره . فكان هذا طرفا من تدبيره له وتقديره .

حتى إذا حان الموعد الذي اقتضته مشيئته , أعاده إلى الحياة لما يراد به من الأمر:
(ثم إذا شاء أنشره). .
فليس متروكا سدى ; ولا ذاهبا بلا حساب ولا جزاء . . فهل تراه تهيأ لهذا الأمر واستعد ?

(كلا ! لما يقض ما أمره). .
الإنسان عامة , بأفراده جملة , وبأجياله كافة . . لما يقض ما أمره . . إلى آخر لحظة في حياته . وهو الإيحاء الذي يلقيه التعبير بلما . كلا إنه لمقصر , لم يؤد واجبه . لم يذكر أصله ونشأته حق الذكرى . . ولم يشكر خالقه وهاديه وكافله حق الشكر . ولم يقض هذه الرحلة على الأرض في الاستعداد ليوم الحساب والجزاء . . هو هكذا في مجموعه . فوق أن الكثرة تعرض وتتولى , وتستغني وتتكبر على الهدى !

الدرس الثالث:24 – 32 رعاية الله للإنسان والحيوان في الطعام

وينتقل السياق إلى لمسة أخرى في مقطع جديد . . فتلك هي نشأة هذا الإنسان . . فهلا نظر إلى طعامه وطعام أنعامه في هذه الرحلة ? وهي شيء واحد من أشياء يسرها له خالقه ?

(فلينظر الإنسان إلى طعامه . أنا صببنا الماء صبا . ثم شققنا الأرض شقا . فأنبتنا فيها حبا , وعنبا وقضبا . وزيتونا ونخلا . وحدائق غلبا . وفاكهة وأبا . متاعا لكم ولأنعامكم). .

هذه هي قصة طعامه . مفصلة مرحلة مرحلة . هذه هي فلينظر إليها ; فهل له من يد فيها ? هل له من تدبير لأمرها ? إن اليد التي أخرجته إلى الحياة وأبدعت قصته , هي ذاتها اليد التي أخرجت طعامه وأبدعت قصته . .

(فلينظر الإنسان إلى طعامه). . ألصق شيء به , وأقرب شيء إليه , وألزم شيء له . . لينظر إلى هذا الأمر الميسر الضروري الحاضر المكرر . لينظر إلى قصته العجيبة اليسيرة , فإن يسرها ينسيه ما فيها من العجب . وهي معجزة كمعجزة خلقه ونشأته . وكل خطوة من خطواتها بيد القدرة التي أبدعته:

إنا صببنا الماء صبا . . وصب الماء في صورة المطر حقيقة يعرفها كل إنسان في كل بيئة , في أية درجة كان من درجات المعرفة والتجربة . فهي حقيقة يخاطب بها كل إنسان . فأما حين تقدم الإنسان في المعرفة فقد عرف من مدلول هذا النص ما هو أبعد مدى وأقدم عهدا من هذا المطر الذي يتكرر اليوم ويراه كل أحد . وأقرب الفروض الآن لتفسير وجود المحيطات الكبيرة التي يتبخر ماؤها ثم ينزل في صورة مطر , أقرب الفروض أن هذه المحيطات تكونت أولا في السماء فوقنا ثم صبت على الأرض صبا !

وفي هذا يقول أحد علماء العصر الحاضر:”إذا كان صحيحا أن درجة حرارة الكرة الأرضية وقت انفصالها عن الشمس كانت حوالي 12 . 000 درجة . أو كانت تلك درجة حرارة سطح الأرض . فعندئذ كانت كل العناصر حرة . ولذا لم يكن في الإمكان وجود أي تركيب كيميائي ذي شأن . ولما أخذت الكرة الأرضية , أو الأجزاء المكونة لها في أن تبرد تدريجيا , حدثت تركيبات , وتكونت خلية العالم كما نعرفه . وما كان للأكسيجين والهيدروجين أن يتحدا إلا بعد أن هبطت درجة الحرارة إلى 4000 درجة فارنهايت .

وعند هذه النقطة اندفعت معا تلك العناصر , وكونت الماء الذي نعرفه الآن أنه هواء الكرة الأرضية . ولا بد أنه كان هائلا في ذلك الحين . وجميع المحيطات كانت في السماء . وجميع تلك العناصر التي لم تكن قد اتحدت كانت غازات في الهواء . وبعد أن تكون الماء في الجو الخارجي سقط نحو الأرض . ولكنه لم يستطع الوصول إليها . إذ كانت درجة الحرارة على مقربة من الأرض أعلى مما كانت على مسافة آلاف الأميال . وبالطبع جاء الوقت الذي صار الطوفان يصل فيه إلى الأرض ليطير منها ثانيا في شكل بخار . ولما كانت المحيطات في الهواء فإن الفيضانات التي كانت تحدث مع تقدم التبريد كانت فوق الحسبان . وتمشى الجيشان مع التفتت . . . . . الخ” .

وهذا الفرض – ولو أننا لا نعلق به النص القرآني – يوسع من حدود تصورنا نحن للنص والتاريخ الذي يشير إليه . تاريخ صب الماء صبا . وقد يصح هذا الفرض , وقد تجد فروض أخرى عن أصل الماء في الأرض . ويبقى النص القرآني صالحا لأن يخاطب به كل الناس في كل بيئة وفي كل جيل .

ذلك كان أول قصة الطعام:(أنا صببنا الماء صبا). . ولا يزعم أحد أنه أنشأ هذا الماء في أي صورة من صوره , وفي أي تاريخ لحدوثه ; ولا أنه صبه على الأرض صبا , لتسير قصة الطعام في هذا الطريق !

(ثم شققنا الأرض شقا). . وهذه هي المرحلة التالية لصب الماء . وهي صالحة لأن يخاطب بها الإنسان البدائي الذي يرى الماء ينصب من السماء بقدرة غير قدرته , وتدبير غير تدبيره . ثم يراه يشق الأرض ويتخلل تربتها . أو يرى النبت يشق تربة الأرض شقا بقدرة الخالق وينمو على وجهها , ويمتد في الهواء فوقها . . وهو نحيل نحيل , والأرض فوقه ثقيلة ثقيلة .

ولكن اليد المدبرة تشق له الأرض شقا , وتعينه على النفاذ فيها وهو ناحل لين لطيف . وهي معجزة يراها كل من يتأمل انبثاق النبتة من التربة ; ويحس من ورائه انطلاق القوة الخفية الكامنة في النبتة الرخية .

فأما حين تتقدم معارف الإنسان فقد يعن له مدى آخر من التصوير في هذا النص . وقد يكون شق الأرض لتصبح صالحة للنبات أقدم بكثير مما نتصور . إنه قد يكون ذلك التفتت في صخور القشرة الأرضية بسبب الفيضانات الهائلة التي يشير إليها الفرض العلمي السابق . وبسبب العوامل الجوية الكثيرة التي يفترض علماء اليوم أنها تعاونت لتفتيت الصخور الصلبة التي كانت تكسو وجه الأرض وتكون قشرتها ; حتى وجدت طبقة الطمي الصالحة للزرع . وكان هذا أثرا من آثار الماء تاليا في تاريخه لصب الماء صبا . مما يتسق أكثر مع هذا التتابع الذي تشير إليه النصوص . .
وسواء كان هذا أم ذاك أم سواهما هو الذي حدث , وهو الذي تشير إليه الآيتان السابقتان فقد كانت المرحلة الثالثة في القصة هي النبات بكل صنوفه وأنواعه . التي يذكر منها هنا أقربها للمخاطبين , وأعمها في طعام الناس والحيوان:

(فأنبتنا فيها حبا). . وهو يشمل جميع الحبوب . ما يأكله الناس في أية صورة من صوره , وما يتغذى به الحيوان في كل حالة من حالاته .

(وعنبا وقضبا). . والعنب معروف . والقضب هو كل ما يؤكل رطبا غضا من الخضر التي تقطع مرة بعد أخرى . .(وزيتونا ونخلا . وحدائق غلبا . وفاكهة وأبا). . والزيتون والنخل معروفان لكل عربي والحدائق جمع حديقة , وهي البساتين ذات الأشجار المثمرة المسورة بحوائط تحميها . و(غلبا)جمع غلباء . أي ضخمة عظيمة ملتفة الأشجار . والفاكهة من ثمار الحدائق و “الأب” أغلب الظن أنه الذي ترعاه الأنعام . وهو الذي سأل عنه عمر بن الخطاب ثم راجع نفسه فيه متلوما ! كما سبق في الحديث عن سورة النازعات ! فلا نزيد نحن شيئا !

هذه هي قصة الطعام . كلها من إبداع اليد التي ابدعت الإنسان . وليس فيها للإنسان يد يدعيها , في أية مرحلة من مراحلها . . حتى الحبوب والبذور التي قد يلقيها هو في الأرض . . إنه لم يبدعها , ولم يبتدعها . والمعجزة في إنشائها ابتداء من وراء تصور الإنسان وإدراكه . والتربة واحدة بين يديه , ولكن البذور والحبوب منوعة , وكل منها يؤتي أكله في القطع المتجاورات من الأرض . وكلها تسقى بماء واحد , ولكن اليد المبدعة تنوع النبات وتنوع الثمار ; وتحفظ في البذرة الصغيرة خصائص أمها التي ولدتها فتنقلها إلى بنتها التي تلدها . . كل أولئك في خفية عن الإنسان ! لا يعلم سرها ولا يقضي أمرها , ولا يستشار في شأن من شؤونها . .

هذه هي القصة التي أخرجتها يد القدرة:(متاعا لكم ولأنعامكم). . إلى حين . ينتهي فيه هذا المتاع ; الذي قدره الله حين قدر الحياة . ثم يكون بعد ذلك أمر آخر يعقب المتاع . أمر يجدر بالإنسان أن يتدبره قبل أن يجيء:

الدرس الرابع:33 – 42 في الصاخة وجوه مسفرة مستبشرة ووجوه معذبة

فإذا جاءت الصاخة , يوم يفر المرء من أخيه , وأمه وأبيه , وصاحبته وبنيه . لكل أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه . . وجوه يومئذ مسفرة , ضاحكة مستبشرة , ووجوه يومئذ عليها غبرة , ترهقها قترة , أولئك هم الكفرة الفجرة . .

فهذه هي خاتمة المتاع . وهذه هي التي تتفق مع التقدير الطويل , والتدبير الشامل , لكل خطوة وكل مرحلة في نشأة الإنسان . وفي هذا المشهد ختام يتناسق مع المطلع . مع الذي جاء يسعى وهو يخشى . والذي استغنى وأعرض عن الهدى . ثم هذان هما في ميزان الله .

والصاخة لفظ ذو جرس عنيف نافذ , يكاد يخرق صماخ الأذن , وهو يشق الهواء شقا , حتى يصل إلى الأذن صاخا ملحا !

وهو يمهد بهذا الجرس العنيف للمشهد الذي يليه:مشهد المرء يفر وينسلخ من ألصق الناس به:(يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه , وصاحبته وبنيه). . أولئك الذين تربطهم به وشائج وروابط لا تنفصم ; ولكن هذه الصاخة تمزق هذه الروابط تمزيقا , وتقطع تلك الوشائج تقطيعا .

والهول في هذا المشهد هول نفسي بحت , يفزع النفس ويفصلها عن محيطها . ويستبد بها استبدادا . فلكل نفسه وشأنه , ولديه الكفاية من الهم الخاص به , الذي لا يدع له فضلة من وعي أو جهد:(لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه). .

والظلال الكامنة وراء هذه العبارة وفي طياتها ظلال عميقة سحيقة . فما يوجد أخصر ولا أشمل من هذا التعبير , لتصوير الهم الذي يشغل الحس والضمير:(لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)!

ذلك حال الخلق جميعا في هول ذلك اليوم . . إذا جاءت الصاخة . . ثم يأخذ في تصوير حال المؤمنين وحال الكافرين , بعد تقويمهم ووزنهم بميزان الله هناك:
(
وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة). .

فهذه وجوه مستنيرة منيرة متهللة ضاحكة مستبشرة , راجية في ربها , مطمئنة بما تستشعره من رضاه عنها . فهي تنجو من هول الصاخة المذهل لتتهلل وتستنير وتضحك وتستبشر . أو هي قد عرفت مصيرها , وتبين لها مكانها , فتهللت واستبشرت بعد الهول المذهل . .

(ووجوه يومئذ عليها غبرة . ترهقها قترة . أولئك هم الكفرة الفجرة). .
فأما هذه فتعلوها غبرة الحزن والحسرة , ويغشاها سواد الذل والانقباض . وقد عرفت ما قدمت فاستيقنت ما ينتظرها من جزاء . .

(أولئك هم الكفرة الفجرة). . الذين لا يؤمنون بالله وبرسالاته , والذين خرجوا عن حدوده وانتهكوا حرماته . .

وفي هذه الوجوه وتلك قد ارتسم مصير هؤلاء وهؤلاء . ارتسم ملامح وسمات من خلال الألفاظ والعبارات . وكأنما الوجوه شاخصة , لقوة التعبير القرآني ودقة لمساته .

بذلك يتناسق المطلع والختام . . المطلع يقرر حقيقة الميزان . والختام يقرر نتيجة الميزان . وتستقل هذه السورة القصيرة بهذا الحشد من الحقائق الضخام , والمشاهد والمناظر , والإيقاعات والموحيات . وتفي كلها هذا الوفاء الجميل الدقيق

ننتظر تعليقاتكم واقتراحاتكم حول هذا الموضوع والواجب العملى المقترح لتربية أنفسنا على ضبط ميزان حياتنا فى التعامل مع النا س

سدد الله خطاكم وأعاننا وإياكم على الرقى  بأخلاقنا وبديننا وبأمتنا

12/03/2011 at 11:36 ص 2تعليقان

Older Posts


تقويم

ماي 2024
س د ن ث ع خ ج
 123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031

Posts by Month

Posts by Category